الزمان والمكان :
يبدو أن انشغال نجيب محفوظ بالهاجس الوجودي في
روايته ''اللص والكلاب'' ، قد أجل اهتمامه بالتفاصيل الزمكانية ، رغم إحالتها
الظاهرة على الواقع المصري في حقبة معينة ، بحكم انطلاقها في الأصل من حادثة واقعية
كما يتحدث عنها المؤرخون لعالم الجريمة في مصر، وقد هيمن الليل بعالمه السفلي على
جل أطوار التطور الحدثي فيها ، فاتخذ الظلام بعدا إيحائيا وثيق الصلة بالاكتئاب
الداخلي ومعاناة الاختناق اللتين عاشاهما سعيد مهران ، بينما تنوعت الأمكنة بين
البيت والزنزانة والجامع والمقهى ، كفضاءات إيواء أو محطات للعبور من حدث لآخر ،
دون الشعور بأبعاد حمولتها أو تأثيرها البين في مسار تلك التحولات ، رغم ما يؤشر
عليه بعضها كتواضع بيت نور أو فخامة فيلا رؤوف علوان أو نقاء جامع الجنيدي ، ولعل
ذلك راجع كما قيل ، إلة اهتمام الكاتب بالقضايا والتيمات التي اشتغل عليها ارتباطا
بحركة الشخصيات في وجودها الاجتماعي والنفسي .
الحوار :
بالرغم من الطابع
الدرامي للحدثية في الرواية ، والذي تحكم في الحوارات الثنائية بين مختلف الشخصيات
سلبا أو إيجابا ، فقد كان للحوار الداخلي حضور قوي على مستوى سعيد مهران خاصة ، إذ
كان وسيلة استرجاعية لاستعادة الماضي الذي عاشه سعيد مهران قبل دخوله إلى السجن، و
بالتالي قدم معرفة مطبوعة بالصدق مع الذات ، حول ما ظل يعتبره خلفية لمأساته
الاجتماعية والنفسية ، وتبريرا موضوعيا لما شغله من أمر التفكير في الثأر والانتقام
لوجوده الذي هشمه الغدر والخيانة ، فأودى به إلى التمزق والعجز عن التواصل مع ذلك
العالم الموبوء . الرؤية السردية :
تهيمن على رواية نجيب محفوظ ''اللص
والكلاب'' ، تلك الرؤية السردية من الخارج / الخلف ، بدلالة مواصلة الحكي اعتمادا
على ضمير الغائب ، فيما لم يكن حوارا يتجاذبه المتكلم والمخاطب ، وكأن الكاتب تقصد
نطق الشخصيات وحركة الأحداث وفق منطقها الداخلي ، باعتبارها استجابات طبيعية
لمؤثرات موضوعية ، رغم ما يمكن أن يظهره السرد من علم مسبق ومعرفة جاهزة بمصائر
التحولات المتعاقبة بعلاقات سببية واضحة ، كأننا بالكاتب يمرر عبر الإيهام بالواقع
رؤيته للعالم ، وما يعتمل بفكره و وجدانه من مواقف نقدية وانتقادية لذلك الواقع ،
بما يعانيه من اختلالات ، لا تؤشر على أفق مشرق في ظل التفاوت الطبقي أو التناقضات
والمفارقات في القيم التي باتت تقوم عليها العلاقات بين الأفراد داخل المجمتع
الواحد .
الأسلوب :
وإذا تجاوزنا الأساليب السردية المعتمدة في
اللص والكلاب بين السرد والوصف والحوار ، إلى التعبيرات اللغوية التي وظفها نجيب محفوظ ،
يمكن أن يلاحظ القارئ اهتمامه بتلك اللغة التصويرية المتراوحة بين هيمنة الفصحى على
السرد والوصف، و حضور العامية المصرية في الحوارات الثنائية خاصة ، ذلك أن الكاتب
في وضعية السارد ، يسعى إلى تمثل المواقف بصيغتها ولغتها التشخيصية الواقعية ، من
خلال الحرص على توظيف المعجم المتداول في الخطاب اليومي ، واستعمال الجمل القصيرة
انسجاما مع تقتضيه المقامات ، دونما حاجة للإغراق في التوسع التعبيري من أجل
جماليات أسلوبية .
خروج :
لم تحاول تلك القراءة الأولية لرواية ''اللص
والكلاب'' ، فحص وتحليل مكوناتها على هدى منهج محدد وصارم ، بل اعتمدت على
الاستفادة من العام في المناهج المتداولة بخصوص النص السردي ، والدافع دائما ،
اتجاه المعالجة إلى الصف التعليمي في مستوى الثانوي التأهيلي ، باعتبار الكتاب ضمن
مؤلفات تلامذة البكالوريا ، وإلا لو كان المجال غير المجال ، فقد كان ممكنا استغراق
القراءة لكل الجوانب المتصلة بالرواية من الداخل قبل إحالتها على المقارنة بما
يرتبط بها في نفس السياق ، سواء من خلال تجربة نجيب محفوظ نفسه ، أو من خلال تجارب
الروائيين العرب المعاصرين له